ثقافة فيلم «الرّبيع التونسي» لرجاء العماري: هي ثورة!
بعد «الستار الأحمر» و«الدواحة»، قدمت المخرجة رجاء العماري يوم الخميس 21 أوت على ركح مسرح قرطاج العرض الأول لفيلمها الجديد «الربيع التونسي» الذي يروي قصّة 3 أصدقاء «موحا» و«فتحي» و«وليد» في الأيّام الأخيرة التي سبقت سقوط نظام بن علي.
ونقلت رجاء العماري في فيلمها الرّوائي الذي جاء أشبه بالشريط الوثائقي حالة انسداد الأفق التي كان يعيش على وقعها الشّباب التونسي ونخص بالذكر حاملي الشهادات العليا والمثقفين.. فلا هؤلاء ولا أولئك وجدوا موطئ قدم في وطن لم يعر اهتماما لطاقاته الشابّة بل دفعها للعيش على هامش المجتمع لتدمن الكحول ولتتجرّع من كأس اليأس ولتكرع من مياه المذلّة.
وترسم رجاء العماري في فيلمها «بورتريات» من الشباب التونسي الذي عجز عن ايجاد معنى لحياته بفعل التهميش الذي يعاني منه المجتمع. فهذا «موحا» (هشام اليعقوبي) الفنان صاحب الصوت الشجي وعازف العود البارع لم يعد يحلم الا بمغادرة البلاد قبل أن يسقط في فخّ الإدمان، وهذا فتحي (بلال البريكي) الشّاب المتحصّل على شهادة جامعية والذي يعاني من البطالة، وذاك وليد (بهرام العلوي) المطرب الذي سقط في فخّ احدى صديقات ليلى زوجة بن علي ويُصبح قارئا للفنجان يتنبأ بالغيب عسى أن ترضى عليه سيدة تونس الأولى.
ولئن غابت عن فيلم «الربيع التونسي» الشاعرية التي اعتدنا عليها في أفلام رجاء العماري السابقة، فقط طغى على الشريط المنحى التوثيقي الذي يعتمد على معول الذاكرة وكأنّ برجاء العماري تقول من خلال شريطها انّه علينا أن لا أن ننسى المناخ الخانق الذي كان الشباب التونسي يذوق منه الأمرين، ولذلك قامت الثورة أي ضد البطالة والرشوة والفساد السياسي والمعتقدات البالية وتهميش المثقف والفنان وأيضا الابتزاز وقبل ذلك وبعده ضدّ "سرقة الحلم" الذي يسكن أعماق كل تونسي.
وتدحض رجاء العماري من خلال مضمون شريطها نظرية المؤامرة الخارجيّة التي استهدفت عددا من بلدان العالم العربي، لتطرح في المقابل نظرتها التي تذهب في اتجاه «الثورة»، فما حدث في تونس وفق ما يوحي به الفيلم هو ثورة فئات من الشباب التونسي ضدّ النظام السابق وضد منظومة قامت على التهميش والاستغلال.
ومن خلال قصّة الحبّ التي جمعت فتحي بالشابة نورا (أنيسة داود)، عبّرت المخرجة وهي كاتبة السيناريو أيضا بمشاركة عمر الأدغم، عن رؤيتها للحب في تونس، فالبنسبة إليها فإنّ المشاعر مقموعة والعواطف مشوّهة بحكم القيود التي يفرضها المجتمع، وقد أُجهضت قصة الحبّ التي جمعت بين البطلين كآلاف قصص الحبّ الموؤودة في العالم العربي، فلا حاضر ولا مستقبل لها أيضا.
وإختزالا، فقد طغى على فيلم الربيع التونسي الطابع التوثيقي لثورة لم يعد يعتبرها كثيرون كذلك، لكن رجاء العماري عادت لتقول من خلال السينما انّ الشّباب التونسي هو الذي ثار ضدّ ما كان يعاني منه من تهميش واستغلال، ضدّ انسداد الأفق وضدّ الوصوليين الذين أنهكوا البلاد.. هكذا جاءت نظرة رجاء العماري للرّبيع التونسي دون زخارف ولا زيف.. قصّة أُناس بسطاء أرهقتهم الحياة فقالوا لا معرّضين صدورهم لموت آت لا ريبة فيه.
شيراز بن مراد